في ذكرى الشهيد هاني عابد
2015-11-01

الشهيد هاني عابد

توقفت القلوب عن الخفقان  وتزرف الدموع من العيون وهي تشاهد أبا معاذ بدماء العزة والكرامة والشهادة التي بحث عنها طويلاً  ... تأتي بسبب تفجير   سيارته  “بيجو” التي تم تفجيرها من قبل عملاء الموساد (الإسرائيلي) أمام مبنى كلية العلوم التكنولوجيا في مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، ما زاد من حجم الصدمة أن هذه العملية الجبانة كانت الأولى بعد قدوم السلطة الفلسطينية حسب اتفاقية “أوسلو” وكان المستهدف هو المطارد هاني عابد كإثبات عاجل وبدليل قاطع على عبثية المفاوضات والاتفاقيات مع عدو الذي لا يفهم سوى لغة الدم والشهادة

الشهيد في سطور

ولد الشهيد هاني عابد في مخيم جباليا شمال قطاع غزة لأسرة  مهجرة من قرية سمسم ملتزمة دينيا وميسورة الحال ماديا في العام 1962م،

وتلقى تعليمه الأساسي والثانوي في المدارس التابعة لوكالة الغوث بمخيم جباليا، قبل أن يلتحق بكلية العلوم في الجامعة الإسلامية ويحصل منها على شهادة البكالوريوس في الكيمياء وخلال سنوات دراسته في الجامعة أشتعل فتيل الجهاد في نفس الشهيد من خلال انضمامه لحركة الجهاد الإسلامي

ومن ثم واصل مسيرته التعليمية في جامعة النجاح ليحصل على شهادة الماجستير عام 1988م قبل أن ينهي مسيرته الجهادية الحافلة بالارتقاء إلى ربه يوم الثاني من تشرين الثاني 1994 بعملية اغتيال جبانة نفذها الموساد الإسرائيلي

الشهيد وفلسطين

التحق شهيدنا البطل بالجامعة الإسلامية بغزة في العام 1980م وهناك بدأت مرحلة جديدة من حياته.. تعرف هناك على نمط مغاير من الثوار.. وتعرف من خلالها أن فلسطين والإسلام توأمان لا ينفصلان وأن مرحلة جديدة سوف يحمل فيها أبناء الإسلام راية الدفاع عن فلسطين آتية لا محالة ... ليلتقي بعدها بالمعلم الفارس فتحي الشقاقي رحمه الله ولينضم إلى تلك المسيرة التي أزهرت مشروع ثورة  في فلسطين لا تنتهي.

بدأ الشهيد نشاطاته الطلابية التي استمرت إلى أن تخرج من الجامعة في العام 1984م، من كلية العلوم قسم الكيمياء وليواصل بعدها دراسة الماجستير من جامعة النجاح بنابلس وذلك في العام 1988.

الاعتقال

كانت محطته الأولى في الاعتقال سنة 1992م، على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي بتهمة إيواء أحد أقربائه وليحكم عليه بستة أشهر ويرحل إلى معتقل النقب الصحراوي، وليخرج شهيدنا من القيد ليواصل رحلة عطائه الدائم لهذه الأرض الطيبة وليتولى بعد ذلك مسؤولية الجماعة الإسلامية ـ الإطار النقابي و الطلابي للجهاد الإسلامي ـ حيث كان الشهيد مؤمناً بأهمية دور النقابي و الطلابي في الصراع الدائر على أرض فلسطين.ومع تأسيس صحيفة الاستقلال يتولى الشهيد إدارتها العامة ليتواصل مع رحلة الوعي والثورة التي بدأها.

المطاردة

قبل عملية إعادة الانتشار التي قامت بها القوات الإسرائيلية في قطاع غزة بأسبوع واحد حاصرت هذه القوات منزل الشهيد في غزة وحاولت اعتقال الشهيد الذي كان حريصاً على عدم الوقوع في أيديهم مرة أخرى حيث كان يخرج كل مساء ويختفي بعيداً عن عيونهم.. وليصبح الشهيد أبو معاذ مطلوباً لهذه القوات.

أول معتقل سياسي

وفي أعقاب قيام أعضاء الجناح العسكري للجهاد الإسلامي بتنفيذ عملية عسكرية شمالي قطاع غزة  على معبر بيت حانون ((أيرز)) قتل خلالها ثلاثة من  الجنود الصهاينة قام الكيان الصهيوني باتهام الشهيد بالمسؤولية عن العملية والتخطيط لها وليتعرض بعدها لمحنة القيد على أيدي السلطة الفلسطينية وليكون أول معتقل سياسي في سجون السلطة الفلسطينية بعد فشل قوات الاحتلال في اعتقاله ، ليكون أول معتقل سياسي في سجونها ، وهو ما فجر ردة فعل عنيفة في أوساط الشعب الفلسطيني وحركة الجهاد الإسلامي،

الشهادة

في الثاني من تشرين الثاني عام 2-11-1994م وفي أحد الأيام المشمسة خرج شهيدنا كأجمل ما يكون الشهداء متوجهاً إلى كلية العلوم والتكنولوجيا حيث يعمل محاضراً هناك، ويمضي يومه يعلم تلامذته الكيمياء وفي الساعة الثالثة عصراً يخرج مرة أخرى ليعود إلى مكتبه في الصحيفة حيث كان الشهيد دائم العمل من أجل نشر الوعي بين أبناء شعبه..

وما أن يدير شهيدنا مقود سيارته حتى تنفجر به وليصاب إصابات خطيرة وينقل إلى مستشفى ناصر بمدينة خان يونس ليقلى الله شهيداً في زمن السلام المزعوم.. ومع إعلان نبأ الاستشهاد.. تحول قطاع غزة إلى عواصف ورياح وكأنما السماء تعلن غضبها من هذه الجريمة البشعة.

ردود الفعل

تقول والدته إنها منذ الصباح شعرت بانقباض في قلبها وشعرت أن هناك أمراً يخفيه القدر لها، وأخذت ترقب هاني وهو خارج من البيت وتدعو الله أن يحفظه وما أن جاءت ساعة المساء حتى سمعت نعيه من مآذن المساجد فبكت قليلاً ثم صمتت لأنها أدركت أن هذه هو قدر الله عز وجل.

أما زوجته أم معاذ  فكانت دائمة الترديد لكلمة «الحمد لله.. الحمد لله..».

أما رد الجهاد الإسلامي

فلم يتأخر ردهم كثيراً.. فمع حفل التأبين الذي أقيم للشهيد بعد أيام قليلة ينطلق أحد تلامذته الشهيد هشام حمد في عملية استشهادية عبر دراجته الهوائية ليفجر نفسه على مدخل مغتصبة نتساريم المقامة على أراضي المواطنين جنوب غرب مدينة غزة  ويقتل أربعة ضباط من قوات الاحتلال انتقاماً لدم هاني ولتعلن الحركة أن هذه العملية هي حلقة من حلقات الانتقام للشهيد وهكذا أزهر دم الشهيد عشرات الشهداء وخرجت غزة بأكملها تودع الشهيد في حزن كبير وتمتد المسيرة  من بيته في غزة حتى مقبرة الشهداء في جباليا سيراً على الأقدام رغم شدة الأمطار التي هطلت في ذلك اليوم. وهكذا رحل هاني عابد أبا معاذ نحو وعد الله بالجنة بعد أن حصل على الشهادة. يعتبر الشهيد هاني عابد هو أول معتقل سياسي وأول شهيد بعد اتفاق أوسلو.