لم تكن زوجة الشهيد ياسر حمدونة على علم باستشهاد زوجها حتى وقت متأخر من صباح اليوم، إذ استيقظت كما كل يوم في منزلها المتواضع في بلدة يعبد جنوب جنين شمال الضفة الغربية المحتلة، لتتدبر شئون منزلها، وتجهز طفليها اللذين أصبحا يتيمين إلى المدرسة.
14 سنة مرَّت على الزوجة الصابرة التي اعتادت فيها على إدارة أسرتها وشئون طفليها، على أمل خروج زوجها يومًا من حكمه المؤبد، وإكمال المشوار معًا.
وفي الوقت الذي ضجت فيه وسائل الإعلام بخبر استشهاد الأسير حمدونة، ومضى نحو ساعتين على تناقل الخبر، لم تكن العائلة على علم بما يجري، ولم يبلغها أحد بما حدث للأسير.
فجأة، انقلب حال العائلة- التي كانت آخر من يعلم- رأسًا على عقب حين تلقت الخبر الصادم دون مقدمات، ولم تتمالك والدته المسنة نفسها ليتم استدعاء الطواقم الطبية لها بعد أن جابت السجون على مدى 14 عامًا لترى ابنها، وهي تحلم به خارج القضبان.
ولم تستطع زوجة الشهيد تجميع كلماتها المتلعثمة فور تلقيها الخبر، ولاسيما أن زوجها كان يعاني إهمالًا طبيًا، لكن لم تكن تتوقع أن تصل الأمور لدرجة تشكيل خطر على حياته.
وبدأ مواطنون بالتوافد لمنزل العائلة لتقديم واجب العزاء لها، بعد أن أصبح الأسير شهيدًا، شاهدًا على سياسة الإهمال الطبي المتعمد عند سلطات الاحتلال.
ولا يجد الباحث في شئون الأسرى فؤاد الخفش وصفًا يُطلق على حالة الشهيد حمدونة سوى "الموت قهرًا"، مشيرًا إلى أن الشهيد سبق وأن أجريت له عملية قسطرة، وعانى من الإهمال الطبي الطويل الذي كانت نهايته استشهاده صباح اليوم.
ويؤكد الخفش لـ"صفا" أن استمرار سياسة الإهمال الطبي بالطريقة التي تتعامل بها مصلحة السجون يعني مزيدًا من الشهداء بين الحركة الأسيرة، مضيفًا أن "المسألة بين شهيد وآخر هي فاصل زمني لا أكثر".
من جهته، يستنكر الصحفي علي السمودي من جنين، في حديثه لمراسل "صفا"، مسارعة المسئولين إلى وسائل الإعلام لتبليغ خبر استشهاد الأسير دون إبلاغ عائلته.
وقال: "كان من الواجب على المسئولين إبلاغ العائلة بشكل رسمي باستشهاد الأسير حمدونة قبل وسائل الإعلام".
الاعتداء الوحشي
وكان الأسير حمدونة يعاني من ضيق في التنفس، ومشاكل في القلب، وآلام في أذنه اليسرى، لتعرضه للضرب على يد قوات قمع السجون عام 2003، إذ تعرض لضرب وحشي بعد اعتقاله، أعقبه ظهور أعراض أمراض في القلب لديه.
ووفق عائلته، فإن الأمر كان يمكن تداركه لو تلقى الشهيد العلاج المناسب منذ البداية، ولكنه تعرض للإهمال الطبي لسنوات طويلة إلى أن تفاقمت مشاكل القلب لديه، وفي كل مرة كانت تتدهور حالته الصحية كان يتم نقله لعيادة سجن الرملة.
وأكدت العائلة لمراسل "صفا" أن الأسير كان يشكو- عند زيارته- من أنه لم يقدم له شيء في عيادة سجن الرملة، وأن الأطباء لا يكترثون ولا يوفرون العلاج المناسب.
وكان الأسير حمدونة يقبع في سجن ريمون، حين أصابته سكتة دماغية مفاجئة حيث تم نقله إلى مستشفى "سوروكا" في النقب، لكنه سرعان ما فارق الحياة.